ذكرياتي وزهرة الغاردينيا

ذكرياتي وزهرة الغاردينيا
...١...
أمي ألوووو ألووووو ..اهلا بروح القلب اشتقت لك كثيرا ..كيف حالكم انت وزوجتك الغالية ..
الحمد لله بالف خير ...
وانت كيف حالك
الحمد لله اهلا بروح القلب ابني الغالي ...
عامٌ مضى يا نور عيني ..نعم سأسميه عاماٌ تفاؤلا ورضىً حيث اعتادت العرب ان تسميه بالسنة حيث الحزن والالم والقحط !
نعم عام مضى مذ غادرتنا ,أتذكر يومها لقد تصنعت قساوة القلب وذهبت لاتوضأ بينما أنت تغادر ,فعيناي لم تكن لتساعدانني على مدافعة الدموع وكنت أريدك أن تخرج قوياً..ولكنني ندمت بعدها اذ لم احضنك لم أضمك الى صدري ,ولكنني أُشهد الله أني كنت راضية تمام الرضى عن عملك وسلمتك لربّ رحيم ودعوت الله من أعماق اعماقي أن تكون خالصة لوجهه الكريم ...
كان عاماً صعباً بكل المقاييس ..
......٢....
أمي ألوووو ألوووو اين سرحتِ..كلما كلمتك قفزت إلى ذهنك تلك الذكريات ...
ابني حبيبي هل تذكرها ؟ لا أحب أن أذكرك بها ولكنها مزروعة في وجداني في قلبي الذي رسمته ايام الألم تلك ..
أتذكر حديقة البيت كيف كنا نزرعها مع أبيك
زرعتها نعم تلك هي الحقيقة , بذورنا هي هي التي جمعناها معاً من الحديقة, القرنفل , الريحان وورد الفليفلة من كل الألوان ..... كنت أفرك بذور الريحان فتتطاير رائحتها العطيرة وتفوح معها ذكرياتنا الجميلة ..... زرعتها في مدخل الدار حتى نعطي من شتلاتها الأهل والجار , وهل أترك أرض حديقتنا بوار !!
نعم زرعتها عميقة بعمق الألم على بعدك , ولكن فعلت ما كنت أنت تفعله تحفر في العمق وتقول (أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ) حتى يكون النبات أثبت وأصلب ويمتص من الأرض ما كان أطيب ......
اعذرني فقد تعبت الآن وسأصنع من القهوة فنجانان سأشرب الأول واغطي الثاني بصحنه فلعلك تأتي قريباً، عندها سيعود للقهوة ذلك الطيبا .....
نعم زرعتها وسأسقيها الآن ومع كل بذرة دمعة لعلها تنتش و تخبرك ما كنت أعانيه في غيابك ...
وأنا الآن اقف يا ربي على اعتابك فمن لا يرد سائله ولا يضيع للعبد وسائله ان ترده إلينا سالماً قريباً قريبا فأنت خير حافظاً ومجيبا..
هكذا كانت تمر أيامي بغياب أبيك يا بني ..
أصبحت مجرد فقرات من الألم ..
.وهاقد أزهر الربيع أيها الغائب العزيز واكتست الأشجار بثوبها المزركش وانتشرت الروائح العطرية في كل الأرجاء ..كل زهرة تذكرني بك فأنت من تعطي الربيع رونقه..أتذكر ؟ ,حين كنا نزور البساتين مع الشاي ونقطف البابونج والزعتر البري فهذا أوانها ...سأهز الأشجار لتنتشر الرائحة الزكية في كل الأرجاء ولعلها تصل اليك مع نسمات الصباح العليلة ..لا لن تصل اليك أنا متأكدة فرائحة البارود والعذابات في وطني الجريح تملأ الكون ,ولكن ما أنا متأكدة منه تماماً بأنك تشعر بها كما تشعر بنا نعم ستشعر برائحها وتشمها وتصلي على النبي وتدعو الله أن نقطف الثمار معاً كل الثمار ..نعم الخضرة أمامي والماء كذلك ولكن غاب عني هذه الايام وجهك الحسن .
......٣.....
أمي أرجوك أبعدي تلك الذكريات الأليمة ..
لا يا بني لا أستطيع فقد حُفرت في وجداني
نعم فقد بتُّ على حافة الانفجار , فقد أضناني بعدك الذي طال , أنت الذي لم تنم ليلة خارج الدار إلا مرة كنت في عمل يوماً أو يومين وما أكثر ما افتقدتك والاولاد حتى صار الصغير يشم رائحتك على وسادتك , فأنت رجل ولا كل الرجال .......
هدوءك , حضورك , ضحكتك ما زالت تضيئ ضوء النهار , مكالماتك مع أصدقائك في العمل حتى منها كنت أغار ....... لا تلوموني أيها الأخيار انتم تعرفونه أكثر مني ألا يستحق من هذا البعد أن أحار ؟!
ببسمة وكلمة طيبة , أو حازمة كنت تحل كل ما يواجهنا من المشاكل وما أكثرها نحن من نحمل فوق ظهورنا ما تنوء به الجبال وتقول دائماً (( كله بأجره فأعمالنا تشريف لنا وكان الله قادراً أن يحط بنا الأقدار ))
نعم لقد كنت تحل كل المشاكل ولكن ماذا سأفعل الآن ؟ أحل بعضها بمقاربتها مع ما كنت أنت ستفعل وتأبى المصائب أن تاتي فرادى ........
فأعده سريعاً يا رحمن لنا فما عدت أطيق صبراً .. ولكن .......... لن أملّ الانتظار...
أصبحت أيامي ذكريااات وذكريااات وهاهم
يسالونني لماذا تذهبين كل يوم إلى البيت ؟ لا لن أجيب وكيف أجيبهم فكلمات الكون لا تستطيع أن تعبر عما يجول في البال وصورتك وصوتك لا يفارقني ليلاً ولا نهار !!!هل أخبرهم أني أشرب القهوة معك ومع دموع العين كل صباح ؟!أم أني أشرب كاس الشاي الخمير من يدك مع الكعك الذي تأبى إلا أن يكون من أفخر الانواع وبكل الاشكال !!في كل أرجاء البيت تجول كلماتك ...ثم أنتفض هاقد حان موعد الأّذان ها هو صوتك يكبر الله أكبر على كل الطغيان ..صورك بل صورنا معا كانت تعزيني تقويني ...صوتك الذي مايزال يتردد في أرجاء البيت..عن إذنك ...سأترك البيت الآن فقد حان موعد العمل ساغلق الباب بهدوووووووء حتى لا تتطاير تلك الذكريات ..ساعود غدا في نفس الموعد فهل ستكون هناك؟!!. ارجع إلينا فما عدنا نطيق الإنتظار ,الكبير عيونه منتفخة وأسأله السبب هل هو الكومبيوتر لا فأنا أعلم الناس بالسبب ,ابنتك أجّلت كتابة مواضيع اللغة أسبوعين على أمل الرجوع فانت قاموس حياتها وملهمها .وها هي تكتبها مكرهة وجمرات ساخنة في عينيها احرقت شغاف قلبي .أما الأوسط فلا يطيق دخول المنزل الذي لطالما رافقك به ليل نهار ويتحجج بكل حجج الكون فقد ملّ الانتظار.. ,أما الصغير فآآآآآه ثم آآآآآه لا أعرف بكم سنة يمر اليوم عليه هو الذي طلباته عندك أوامر وحملاً على الأكتاف لا مشياً على الأقدام قبلاتك لا تفارقه حتى وهو نائم وعندما يغيب عن البيت يأتي التعويض بالجملة فقد طال الانتظار ... ارجع إلينا فقد ضاقت علينا الأرض بما رحبت .ولكن عزاؤنا أنك صابر على البلوى والقلب عامر بالإيمان... والرجولة عندك أفعال لا أقوال ولا أراك في هذا الأمتحان إلا من الناجحين وبامتياز ونحن ليس لنا إلا الصبر والإنتظار عسى أن يأتي الله بالفرج مع انبلاج ضوء النهار .
....٤....
أمي ما بك أراك لست معي أكلمك على الهاتف ..فيديو وفي كل مرة تسرحيييين ..وكيف لا اسرح يا بني فقد كانت ذكريات اليمة حفرت في نفسي آثارا لن تُمحى ...
هل انسى تلك الذكرى التي مرت نعم
مرت الذكرى ذكرانا انا وانت حيث ضمنا بيت واحد ومصير واحد وآمال واحدة ومستقبل واحد ..مرت يومها وقد كنت وحيدا بعيدا .. حاولت ان تذكرني بها إلا أنني في أيام بعدك تلك لم يكن عقلي معي وقلبي كان هناك وراء قضبانهم الظالمة ..ظل الالم يعتصر قلبي يومها..ولا زلت آسف كيف لم أتذكر يوم أمسكت بيدي وتعاهدنا أن نبقى معا العمر بطوله باذن الله ..
نعم سأبتعد قليلا يا بني عن الألم فقد تذكرت تلك الرسالة ...
رسالة من خلف الأسوار؟!!
وأيّ رسالة ..رسالة أعادت الروح لأجسادنا ولحياتنا ماء الحياة ..رسالة من أغلى الناس ,رسالة ممن حُرمنا من أي خبر عنه اثنان وخمسون يوما كانت بطول الدهر ..
نعم رسالة حملت في كلماتها ملخصاٌلرجل ولا كل الرجال ,رجلٌ كنت أظن معدنه من الذهب الخالص فتبين أنه من انقى وأندر ما خلقه الله من النفائس ..
كعادته دقيق في كلامه ,حنون ,يحمل هم الجميع ..بكلمات مختصرة اجاب عما يدور في خلدنا من اسئلة ,لم ينس أحدا من الصغير للكبير ,طلبات قليلة ومختصرة ,نعم اليس هو القنوع الصابر على البلوى ..ثم أنا بألف الف خير ..الزيارة بعد يومين فهل أطيق الانتظار ؟؟! ..
.أتذكر يا بني يوم كلمتني خالتك
قالت لي عندما وجدتني صامتة ,هادئة (يعني كانّة ) :
لقد أصبحت أيامك كما الخطوط البيانية !!!الاحد في القمة حيث اللقاء ,والذي يعطيكي جرعة من الدعم حتى الإثنين ثم الثلاثاء ونصف الاربعاء ؟ثم يبدأ الخط البياني بالهبوط السريع الخميس ثم الجمعة ثم السبت حيث المعنويات في الحضيض يتخللها بعض الإرتفاعات حيث اتصال أو أخبار من هناك من ابني خارج البلاد من بعيد..ثم يتكرر الأمر من جديد....هل أصبحت أيام حياتي وضحكاتي مرهونةبلقاءك ولو من وراء شبك الحديد,أم أن كلماتك هي التي باتت تبعث فيّ الروح من جديد؟!نعم نعم هذا أكيد............. وها أنا أستعد للزيارة فغداً الأحد يوم من المعاناة جديد ,وساعود مسرورة بلقاءك الجديد ...ولكنني من الآن فصاعداً ساجعل أعصابي ما استطعت من حديد ,لا لا أستطيع أن أعدكما بهذا فما أمرّ به في غيابكما شديد شديد...زوجي ..بني
أعادكما الله لنا سالمَين غانمين عندها ستشرق شمس حياتنا ويعود لنا الفرح من جديد ...
امي أتذكرين كيف كان فرج الله علينا ؟ فالحمد كل الحمد لك يا ربي ...
تغير كل شيء الآن تغير .....
بعد أن رأيتك سالماً وتزداد يومابعد يوم اشراقاً واصراراً نعم كل شيء الآن تغير ,نظرات الناس التي كنت أعانيها ذهاباً وإياباً من البيت أداري دموعاً تكاد أن تنفجر في الشارع .تحولت هذه النظرات الآن إلى نظرات ثقة وتقدير ودعم ,نظرات الاهل للأولاد ومداعبتهم لهم وتدليلهم كان سكيناً ينغرس في قلبي مع فرحي بها كنت أحس أنها شفقة أما الآن فهي في نظري تخفيف عن غيابك الذي طال عنهم ,نظرات أطفالك الحائرة الخائفة المتلهفة تحولت الآن الى نظرات اصرار وتحدي ,أليس والدهم بخير ,كلمات الشفقة التي كانت تعتصر فؤادي هي الآن مواساة ودعم لي وما عادت تزعجني بل تعطيني القوة والدعم نحو الغد المشرق بعون الله .أعطالاً في المنزل كنت أصلحها ولكن مع دموع الألم ,أعمال المنزل والحديقة كانت للتسلية وإضاعة وقت لا قيمة له بغيابك ,أما الآن فأنا أعمل بكل كياني حتى تعود وترى كل شيء كما تركته وأفضل ,كلمات اللوم والتأنيب القاسية التي ذبحتني الآن أقبلها وأتحملها ,تغير نعم أحمد الله كل شيء الآن تغير فوجودك إلى جانبي أسعدني ,قواني ,محى من رأسي أوهاماً ,ومن قلبي أحقاداً سوداء واكثر ...
.....٥....
نعم يا بني انا الآن معك فوالدك معي بعد ان فرقتنا أيام صعبة ولكن فرج الله أتى والحمد لله رب العالمين فقد تفتحت وردة الغاردينيا في دارنا ،نعم تفتحت وتفتحت معها ذكريات وذكريات ..شممت عطرها سبحان من خلق ... ♥️ذكرني بياض زهرها بثياب الاطباء والممرضات في مشفى الاطفال عندما سكنها ابني صغيري الغالي شهرين كانا من اقسى ايام حياتي..كنت كل يوم أقطف وردة منها فتتخاطفها الممرضات ويتسابقن لخدمة صغيري ..
تذكرت يوم كنت انتظر تفتحها كل اسبوع بفارغ الصبر حيث كنت هناااااك لاناولكها عبر شبك الحديد لعلك تشم عبرها عطر الحرية وتتفاءل ببياضها ليطغى على سواد قلوبهم وتصلي على خير البرية ..تعطيني القديمة التي احتفظت بها لاسبوع كامل فاعطيك النضرة المتفتحة ...نعم كنت تحتفظ بها اسبوعا كاملا !! وهانحن اليوم نشرب قهوة الصباح معا ومع زهرة الغاردينا فالحمد لله حمدا كثيرا ...
أرجو من الله ان يجمعني معك ايضا يا بني وتكتحل عيناي برؤية وجهك الوضيء فشوقي لك ماله حدود ولكن عزاؤنا انك بألف خير ..سلامي لزوجتك الحبيبة ........ألوووو ألوووو لقد انقطع الاتصال ..لقد اثقلت عليه بتلك الذكريات الأليمة ولكنني أحب دائماً أن أذكره بهه وإخوته ليعرفوا كم كان فضل الله علينا عظيماً عظيما...