هدى

هدى...
نظرت إلى وجهها والدموع تكرج على خدها الذي مايزال مشرقا متورداً برغم كل الأسى الذي عاشته وتعيشه ..أتأمل في عينيها التي كان الكل يتشوق بل يتحرق لنظرةٍ منها ..صوتها الذي يئن بحشجرشة البكاء الأليمة أنينٌ قطّع نياط قلبي وهي تصرخ بل تتمزق ،يا مها باعوه والله باعوه بيتي الذي بقي لي من رائحة أمي أمي التي رأيت نور الحياة وعشت الحياة بطولها وعرضها كما لم تحلم صبيّةٌ في عمري ..
ماذا تقولين من باعه..
أولادي يا مها أولادي ..
قالتها بحُرقة تدمي القلوب ، حرقة أعرف معناها بالنسبة لها وكيف لا وهي صديقة الطفولة ومرتع الصبا والشباب ..
أولادك؟!!
والله لا أصدّق ولن أصدّق ما تقولين ..
يا للعجب ..
لا تزال صورتها وهي تُخرج وائل ابنها من درج الخزانة ذلك الذي وضعه أباه السكّير العربيد فيه لتسلمه ما تملك من الذهب ليفتحه بمفتاح نسي أين هو في غمرة سكره ..كيف كانت تخلعه بعد ان اعطته كل ما تملك تخلعه بكل ما أوتيت من قوة لتخرج روحها التي كادت تغادرها تلك اللحظات ..
أم ابنها أحمد الذي كانت تخبرني كيف كان يرسله لشراء ذلك المشروب اللعين تقول لي لا أريده أن يرى هذا الامر سهلا فيستسهل الشرب كأبيه..
ابنتها الجميلة رزان بل جميلة الجميلات لأمها كان الجمال أما حظّها فليته ما كان كحظ أمّها فقد زوّجها ابوها لمن لا ترضون دينه ولا خلقه ..
أولادك؟!
الثلاثة الذين تحملتِ كل ذلك الشقاء ليعيشوا بسعادة وبطريقة صحيحة ليست كعيشتها تلك ..كلمتها تلك التي ما تفتؤ ترددها كانت من أجل اولادي سأعمل في البيوت ولن أقبل ما يريده بي هذا السكّير العربيد الذي كان يُقامر على ممتلكاتي، فرش البيت ،بل علي ّ كان يقامر .
هدى نعم هدى لا أنسى ذلك اليوم الذي عرفت فيه من تكون هدى نعم كانت تزورنا مذ كانت طفلة نلعب ونلهو ولكنني كنت أتعجب من كبر سن أمها وعمرها الصغير سألت أهلي كثيراً كنت أحس في ردودهم بعض الهمهمات الغريبة !!إلى أن اصبحنا في الاعدادية لأتفاجأ بأنها ليست ابنتها فقد كبرت بما يكفي لأعلم كنه تلك الهمهمات ..
هي اذن لقيطة لكنها لأبيها وأمها نفسهما في لحظة تسرع قبل اعلان الزواج كانا مخطوبين فقط ..انتظرت الجدة تسعة شهور عصيبة كانت تدعو الام على مافي بطنها بالشقاء كما أشقتها وبالأسى على من كانت بنظرها كل الأسى والشقاء ..انتهت المشكلة لها ولمن سيصبح بعد تلك الشهور زوجها نعم زوجها الذي أنجبت منه عددا كبيرا من الاولاد فيما بعد ..إلا هدى التي ولدتها سفاحاً لم ينتظروا حتى تسميتها اودعتها في مشفى كانت تعمل فيه أمها التي ربتها فهي لم تنجب وطارت فرحاً بها ..أخذتها وربتها تربية ملوك كما يُقال كان الجميع ينظر الى الاميرة بكل اناقتها ويتمناها القريب والغريب ..خطبها ناس كثر لكن امها فضلت ابن خالتها السكّير العربيد الذي وعد أن يترك هذه (السوسة) ..كأن رأي أمها أنه لن يعيرها بلقب اللقيطة ..لا أريد يا ابنتي أن يقول لك أحدهم (مو معروفة قرعة أبوك من وين)،وللأسف كانت الجملة الاخيرة تلك ، الجملة الأولى في حياتهم الزوجية .. وكانت غلطة عمر الأم المربية .فأمها تلك لم يفتر دعاؤها عليها حتى بعد ان تعرفت عليهم ليرفضوا حتى الاعتراف بها توفت بمرض عضال في ريعان الصبا وهي تحمل في رقبتها سبب بؤس وشقاء ابنتها أولا وآخراً ..أما الام المربية فقد اضطرت لكتابة البيت باسمها حفظاً لها وتكفيراً عما اقترفت من ذنب في حقها ..
وهاهم من ضحت من أجلهم بكل شيء يبيعون البيت ويقبضون الثمن من مقتدر في الغربة ثم يتصلون بها لتوقع فقط وقد كُتبت عليهم سندات أمانة ستودعهم السجن إن أخلفوا ..
وقعت تنازلاً عن البيت من أجل أولادها أيضاً فهم يريدون السفر ومصاريفه كثيرة ،فكروا بنجاتهم أما هي فقد تركوها للشارع كما بدأت حياتها فأصبحت منه وإليه ..
تساءلت في نفسي يا تُرى هل اصابتها دعوة أمها الشريرة تلك وهي لا ذنب لها ..هل تستحق ماعانت من أجل خطأ لم ترتكبه هي ولم يكن لها ذنب فيه ..ألم يكن باستطاعة الام والاب المذنبين المتعجلين أن يعترفوا بها ويضمونها الى بقية أولادهم ..
لا أدري والله لا أدري ماذا أقول ...
استفقت من شرودي مها مها أين سرحتِ هل تسمعينني أقول لك باعوا البيت ..بقيت في الشارع يا مها ..
نعم نعم يا هدى ودموعي تسيل على خدي سمعت نعم سمعت، وأقول لك لا لن يضيعك الله هو حسبك ونعم الوكيل ضممتها واختلطت دموعنا ..نعم لن يضيعك حاشى وكلا ..
وأنا بدوري أسألكم إخوتي الأكارم هل تستحق هدى ما جرى لها ؟ هل دعاء أمها عليها لاحقها حتى أولادِها ..
أم أنها امتحان من رب العالمين ليرفع من درجاتها بعد أن احتقرها القريب قبل الغريب ..